هل قدري بأني لقيط

هل قدري بأني لقيط
هل قدري بأني لقيط
هل قدري بأني لقيط

تلقيت دعوة من زميل لي مشرف في دار الرعاية الاجتماعية لحضور حفل افطار في شهر رمضان المنصرم تم اعداده لخريجي الدار ممن تخلت عنهم بعد اتمامهم الثمانية عشر عاماً.

كان هذا الحفل هو الأول من نوعه الذي يتم فيه لم شمل خريجي الدار ليلتقوا ببعضهم ، وبالطبع فإنها مبادرة من شخص غيور على اخوانه ، فكم من مرة تناقشنا سويا في حال هؤلاء الشبان وكيف هي حياتهم بعد ان يخرجوا ليتلقفهم الشارع بعد ان كانوا يعيشون في مجتمع مغلق ، وهل تم تأهيلهم للتعايش مع حياتهم الجديدة ام الاكتفاء بعبارة ( المصلح رب العالمين ) . كان صاحبي قد اسر لي مع مطلع الشهر الكريم بأنه ومجموعة من أهل الخير يعتزمون تنظيم مشروع افطار لخريجي الدار لمعاناتهم الدائمة في الحصول عليه ، فتجدهم يفطرون على فطائر الجبن الموجودة بالسوبرماركت أو يعملون المكرونة سريعة التحضير او يحاولون الاتصال بأحد المشرفين أو ممن تعرفوا عليه يأملون من خلاله أن يقوم بدعوتهم للافطار . قرر صاحبي بأن يتفق مع إحدى السيدات ذوات الحاجة الراغبات في طلب الرزق لتقوم بإعداد وجبات يومية لأكثر من 120 يتيماً وهو ماتم بالفعل ، حيث تم تأمين جزء من المبلغ الذي فاق خمسين ألف ريال بعد أن تعذرت الجهة التي كان من المفترض ان تكون مسؤولة عنهم بداعي أن الاتفاق مع احد المطاعم أأمن لهؤلاء الايتام ، وكأننا لم نسمع ولم نشاهد اكبر واعتى المطاعم تغلق لسوء النظافة !! أجبت الدعوة وتوجهت الى الاستراحة التي تم استئجارها لهذا اللقاء ، بعد وصولي وجدت رتلا من السيارات تقف امام البوابة وبعد دخولي وجدت جماعات مختلفة داخل الخيمة هؤلاء جماعة يمنة وهؤلاء يسرة وترى اختلافاً واضحاً في العادات والطبائع واسلوب الحديث ، حتى الملابس ايضا مختلفة منها ماهو مقبول ومنها ماهو طيحني وبابا سامحني .

قصات شعر بعضهم غريبة وسلاسل تحيط بمعاصم هؤلاء الايتام ، بدأت اترقب المنظر وأرصد التصرفات والحركات فأنا والله لم اكن اتوقع أن أرى هذا المشهد ... عبارات فيما بينهم عجيبة لا أقول جميعهم ولكن أقول عدداً كبيراً منهم .

مالم أتوقعه وذهلت منه هو قيام احدهم بتناول قطعه من المعجنات عندما كان عمال المطعم يرتبون السفره قبيل أذان المغرب ، ولم يكتف بذلك بل وضع سيجارة خلف أذنه وعندما رآه صاحبي قال له : إلى الآن لم يؤذن ؟

فرد عليه : أعرف ومن قال لك إني صائم !!

فأجابه صاحبي ببرود اذا لم تستح من ربك فاستح من زملائك .عندها ادخل سيجارته في العلبه وذهب .

يقول صاحبي بأنه يريد استفزازي ويتمنى أن أنهره ، ولكن لن احقق له ذلك. اما الآخر فقد كان منطويا لوحده خارج الخيمة بنظرات منكسره بعد أن اكتفى بتناول حبة من التمر، وبالطبع فلا يمكن لأحد أن يعرف ماذا يخبئ بداخله ، وكأن لسان حاله يقول : هل قدري بأني لقيط !!.

أثناء تأديتنا لصلاة المغرب داخل الاستراحة كان عدد منهم يتبادلون اطراف الحديث والتعليق بأصوات مرتفعة ولم يأبهوا بنداءات ودعوات زملائهم لهم لأداء الصلاة .

بعد تناول العشاء بدأ عدد كبير منهم في موادعة زملائهم مذكرينهم بأنهم سيلتقونهم آخر الليل في شارع التحلية والعروبة وغيرها من الشوارع .

على الوجه الآخر وجدت أوجهاً ملؤها التفاؤل والأمل والابتسامة تعلو محياهم وهم بالطبع قلة ، فسألت نفسي لماذا هؤلاء بهذه الصورة وزملاؤهم بتلك ؟

أليسوا جميعاً خريجي الدار ؟ أليسوا بحال واحدة ؟

ولكنني حاولت ان اقنع نفسي وقلت : من الممكن أن يكون الأولون قد تعرضوا الى مواقف ولم يجدوا من يسندهم ويقف معهم وبالتالي فإن تلك الكلمات والألفاظ النابية التي سمعتها إنما هي ردة فعل .

عدت مرة أخرى وتساءلت : ماذا لو وجد هؤلاء الشباب الدعم اللازم ليس المادي فحسب بل مايوازيه في الأهميه وهو الاجتماعي والنفسي ، ماذا سيكون مستقبلهم وكيف ستكون حياتهم ؟

كيف لك أن تتصور بأن شاباً في نشوة مراهقته لايجد من ينهاه او يزجره ويبين له الصواب من الخطأ ، فهل تتوقع أن يمنع أو ينهى نفسه الأمارة .

من نظرات بعضهم وحديثه خيل لي بأنهم يقولون ماذا لدينا لنخسره ، ومن سيحاسبنا اذا أخطأنا ؟ ومن سيمنعنا اذا رغبنا ومن يجرؤ أن يقول لنا لا ، لا أحد !!!

سألت نفسي سؤالاً آخر هل أنا متشائم ؟ لا أظن سيما وأن هنالك شباباً يخيل لي بأنهم ينظرون إلى الحياة بنظرة تفاؤل وتطلع .

إذاً لمَ هذا التباين ؟ ولماذا أراهم بنفسيات مختلفة وهم كذلك بتأكيد من صاحبي .

تطلعت في ختام تساؤلاتي وأفكاري بأن يجد جميعهم الاهتمام والعناية الكافيه وأن يجدوا من يسندهم في هذه المرحلة من العمر ، فإما ان يُتمكن منهم ويكونون بإذن الله نواة خير وصلاح وجد وعمل ، أو أن يكونوا لا قدر الله نواة شر وفساد .

كما مُنيت نفسي أن تقام لهم البرامج التأهيلية والتدريبية، وان تتكاتف الجهات المعنية لانتشال هؤلاء الشباب وتعمل على استثمارهم وصقل مواهبهم والتعرف على قدراتهم وتنميتها ، وأن تكون لهم مزايا وأولوية في كثير من الامور كالقبول في الجامعات والكليات والتوظيف ودخول المستشفيات وغيرها مما يعينهم ويكفل لهم مستقبلاً مشرقاً .

لا أنكر بأن هنالك جهوداً تبذل تجاههم ، ولكن هل هذه الجهود تفي بالغرض او تحقق لهم عيشة هنية .

أتمنى أن يقف كل شخص مع ذاته لثوانٍ معدودة ويتخيل نفسه وحيداً في هذه الحياة وكأنه غريب ، لا أب ولا أم ولا أسرة تكتنفه ويعيش تحت مظلتها ويحمل اسمها .

إذاً حق لهؤلاء أن يجدوا كل دعم واهتمام ورعاية ليكونوا مستقبلاً زاهراً لهذا الوطن الكبير .

المقال لـ أ / احمد الحوتــان ..

مقال كثر من رائع ,,

شكراً لك ,,

(^_^)